علاء الدين الزنبيلي الجمالي الرومي

علاء الدين الزِنبيلي الجَمَالي الرومي([1]): المولى الفاضل علاء الدين علي بن أحمد بن محمد الجمالي، الرومي الحنفي، من ذرية جمال الدين محمد الآقسرائي الرومي، والمنتهي نسباً للعلامة الكبير فخر الدين الرازي البكري الصديقي القرشي.
شيخ الإسلام، وأحد أجلّة فقهاء الحنفية بالديار الرومية، وُلِّي إفتاء القسطنطينية زمن السلاطين: بايزيد الثاني، وسليم الأول، وسليمان القانوني.
قرأ في صغره على المولى علاء الدين علي بن حمزة القَرامَاني، وحفظ عنده "مختصر القدوري" و"منظومة النسفي" ثم أتى القسطنطينية، وقرأ على المولى خسرو، ثم بعثه المذكور إلى مصلح الدّين بن حسام، وتعلّل بأنه مشتغل بالفتوى، وبأن المولى مصلح الدّين يهتم بتعليمه أكثر منه، فذهب إليه وهو مدرّس سلطانية بروسا، فأخذ عنه العلوم العقلية والشرعية، وأعاد له بالمدرسة المذكورة، وزوّجه ابنته وولدت له أولاد، ثم أعطي مدرسة بثلاثين، ثم صار مدرِّساً بأدرنة. ثم ترك التدريس لانتقاص الوزير القَرامَاني منه وظيفته لكثرة صحبته مع سنان، واتصل بخدمة الشيخ وفا وقيل الشيخ مسعود الأدرنوي.
ولما جلس السلطان بايزيد أرسله إلى أماسية جبراً بالتدريس والفتوى، ثم أعطاه مُراديه بروسا "مدرسة السلطان مراد خان الغازي بمدينة بروسا"، ثم ترك تلك المدرسة وذهب الى "أماسيه" لزيارة ابن عمه العارف بالله الشيخ محيي الدين محمد الجمالي، ثم أعطاه السلطان بايزيد خان مدرسة "بايزيدية" إزنيق، وعَيّن له كل يوم خمسين درهماً.
ثم أعطاه السلطان بايزيد خان مدرسة "سلطانية" بروسا، ولما بنى السلطان بايزيد خان مدرسته بـ "أماسية" نّصَّبه مُدرساً بها، وفوّض إليه أمر الفتوى هناك، ثم أنه ترك كل ذلك لسبب ما وقدم القسطنطينية، فاشمأز من ذلك السلطان فتركه معزولاً فأزعجه في منامه، وكتب إليه ما قاله: "حرفاً بحرف"، فخاف منه وأعطاه مدرسة "السلطانية" ثم إحدى الثماني، فدرس بها مدة طويلة.
ثم توجّه بنية الحج إلى مصر، فلم يتيسر الحج في تلك السنة لفتنة حدثت بمكة المشرفة، فأقام بمصر سنة، ثم حج وعاد إلى بلاد الروم، وكان توفي المولى أفضل الدين – أو حُميد الدين - مفتي التخت السلطاني في غيبته، فأمر السلطان بأن يكتب الفتوى مدرسو الصحن إلى أن جاء المولى المذكور فأعطاه منصب الفتوى بمائة درهم، ولما بنى مدرسة أضافها إليه بخمسين درهماً ودام إلى وفاته.
وكان يصرف جميع أوقاته في التّلاوة، والعبادة، والتدريس، والفتوى، ويصلي الخمس في الجماعة، وكان كريم النفس، متواضعاً، كريم الأخلاق لا يذكر أحداً بسوء. وكان يغلق باب داره ويقعد في غرفة له فتلقى إليه رقاع الفتاوى فيكتب عليها ثم يدليها، يفعل ذلك لئلا يرى الناس فيميّز بينهم في الفتوى.
أما عن لقب (الزنبيلي): فيذكر لنا كلاً من:- صاحب "الشقائق النعمانية" وصاحب "سلم الوصول" أن المولى علاء الدين الجمالي كان يقعد في علو داره والزنبيل معلق فيلقي المستفتي ورقته فيه ويحرّكه فيجذبه ويكتب جوابه لئلا ينتظر لأجل الفتوى. وأقول: لعله لذلك لُقِّب بالزنبيلي !
*و(الزِنبيل) هو الوعاء أو الجراب أو القُفّة الكبيرة، وجمعه "زنابيل". وجاء عنه في معاجم اللغة: زَنبيل "بالفتح"، وزِنْبيل "بالكسر": هو القفة، أو السلّة المصنوعة من الخوص. والزبيل: القفة، والجمع زبل. قال الجوهري: الزبيل معروف فإذا كسرته شددت فقلت زبيل أو زنبيل، لأنه ليس في الكلام فعليل، بالفتح. وفي "مختار الصحاح": (الزَّبِيلُ) الْقُفَّهُ فإذا كَسرته شدَّدت فقُلتَ: (زِبِّيلٌ) أو (زِنْبِيلٌ)([2]).
كانت من أبرز صفات المولى علاء الدين الزنبيلي حرصه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدع بالحقّ، ومواجهته بذلك السلطان فمن دونه، ومما يُروى في ذلك: أن السلطان سليم أمر بقتل مائة وخمسين رجلاً من حفّاظ الخزينة، فذهب صاحب المولى علاء الدين الزنبيلي صاحب الترجمة إلى الديوان ولم يكن من عادتهم أن يذهب المفتي إلى الديوان إلّا لأمر عظيم، فلما دخل تحيّروا وقالوا: أي شيء دعا المولى إلى المجيء، فقال: أريد أن ألاقي السلطان فلي معه كلام، فعرضوا أمره على السلطان فأمر بدخوله وحده، فدخل وسلّم وجلس، وقال: وظيفة أرباب الفتوى أن يحافظوا على آخرة السلطان، وقد سمعت بأنك أمرت بقتل مائة وخمسين رجلاً من أرباب الديوان لا يجوز قتلهم شرعاً، فغضب السلطان سليم- وكان صاحب حدّة - وقال له: لا تتعرض لأمر السلطنة وليس ذلك من وظيفتك، فقال: بل أتعرّض لأمر آخرتك وهو من وظيفتي، فإن عفوت فلك النجاة وإلّا فعليك عقاب عظيم، فانكسرت سورة غضبه وعفا عن الكلّ، ثم تحدّث معه ساعة، ثم سأله في إعادة مناصبهم فأعادها لهم.
ثم أن السلطان سليم خان ذهب إلى مدينة أدرنة فشيّعه المولى المذكور فلقي في الطريق أربعمائة رجل مشدودة بالحبال، فسأل عن حالهم فقالوا أنهم خالفوا أمر السلطان وقد اشتروا الحرير وكان قد منع السلطان ذلك. فذهب المولى المذكور إلى السلطان وهو راكب فكلّم فيهم، وقال: لا يحلّ قتلهم. فغضب السلطان وقال: أيها المولى أما يحل قتل ثلثي العالم لنظام الباقي؟ قال: نعم، ولكن إذا أدّى إلى خلل عظيم. قال السلطان: وأي خلل أعظم من مخالفة الأمر؟ قال المولى: هؤلاء لم يخالفوا أمرك لأنك نصّبت الأمناء على الحرير وهذا إذن بطريق الدلالة. قال السلطان: وليس أمور السلطنة من وظيفتك! قال: إنه من أمور الآخرة فالتعرض لها من وظيفتي. ثم قال المولى المذكور هذا الكلام وذهب ولم يسلّم عليه. فحصل للسلطان سليم خان حدة عظيمة حتى وقف على فرسه زماناً كثيراً والناس واقفون قدّامه وخلفه متحيرين في ذلك الأمر. ثم أن السلطان سليم خان لما وصل إلى منزله عفا عن الكل، ولما وصل إلى مدينة أدرنة أرسل إلى المولى المذكور أمراً وقال فيه: أعطيتك قضاء العسكر وجمعت لك بين الطرفين لأنّي تحققت أنك تتكلم بالحق.
فكتب المولى المذكور في جوابه وقال: وصل إلي كتابك سلّمك الله تعالى وأبقاك، وأمرتني بالقضاء وأنّي ممتثل أمرك، إلّا أن لي مع الله عهداً؛ أن لا يصدر عني لفظ حكمت. فأحبه السلطان سليم خان محبة عظيمة لإعراضه عن العز والجاه والمال صيانة لدينه، وأرسل إليه خمسمائة دينار فقبلها، ثم أن السلطان سليمان زاد على وظيفته خمسين درهماً فصارت وظيفته مائتي درهم عثماني.
من تصانيفه: مختارات المسائل وشرحها "في الفتوى"، مختار الهداية وشرحه "في الفروع"، أدب الأوصياء "في فقه الحنفية"، أخلاق الجَمَالي "كتبه للسلطان العثماني بايزيد خان الثاني".
توفي المولى علاء الدين زنبيلي الجمالي بالقسطنطينية زمن السلطان سليمان القانوني، وذلك سنة 932 هـ / 1526 م، وذكر صاحب "سلم الوصول" أن وفاته سنة 931 هـ، والأول أصحّ.
إعداد: أحمد عبد النبي فرغل الدعباسي البكري
بتاريخ 20 ذي الحجة 1438 هـ / 11 سبتمبر 2017 م
([1]) الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية صـ 173-176 ، شذرات الذهب في أخبار من ذهب 10/ 257-258 ، الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة 1/ 268-269 ، سلم الوصول إلى طبقات الفحول 2/ 350 ، هدية العارفين 1/ 742 ، معجم المؤلفين 7/ 25 ، الأعلام للزركلي 4/ 258
([2]) مختار الصحاح صـ 134 ، لسان العرب 11/ 301 ، تكملة المعاجم العربية 5/ 286