سلالة الصديق

صورة مقاطعة أق سراي (Aksaray) بدولة تركيا

الشيخ جمال الدين الأقْصَرائي (الأقْسَرائي)^([1]):

الشيخ الإمام جمال الدين محمد الأقسرائي بن محمد بن محمد بن الإمام فخر الدين محمد الرازي البكري الصديقي القرشي نسباً، الشافعي وقيل الحنفي مذهباً. مفسِّر، عارف بالطب، واللغة، والأدب. خرج من ذريته عدد من العلماء الأعيان ببلاد الروم، انتسبوا إلى لقبه "جمال الدين" فقيل "الجَمَالي"، منهم: الوزير بيري باشا الجمالي الذي شغل منصب "الصدر الأعظم" زمن السلطان سليم الأول.

أما عن أصل بلد الإمام جمال الدين الأقسرائي: فلم أقف على مزيد تفصيل عنها، غير أن السيد عمر بن رضا كحالة (المتوفى سنة 1408 هـ) عندما ترجم له في "معجم المؤلفين" نعته بـ "التبريزي"، فلعل أصله من تبريز، وتبريز ليست بعيدة عن "بلاد الري" التي ينتسب إليها جده الثاني "العلامة فخر الدين الرازي" والتي هي قريبة من طبرستان موطن أسلاف الفخر الرازي.

يقول عنه "حاجي خليفة": كان فاضلاً في العلوم العربية والشرعية والعقلية، صدِّيقاً فاروقيّاً معاً. كان أبوه واعظاً وجدّه هو ابن الإمام فخر الدين الرازي، مات شابّاً، وأما هو فأتى بلاد الروم وتوطّن بـ "أقسراي" وصنَّف "شرح الإيضاح" باسم أمير قرمان فجعل له كل يوم ألف درهم، وكان مدرِّساً بالمدرسة المسلسلة، وقد شرط بانيها أن لا يدرِّس بها إلاّ من حفظ "صحاح" الجوهري، فتعيّن لذلك المولى المذكور.

وكانت طلبته ثلاث طبقات: الأولى منهم من يستفيدون منه في ركابه، وسمّاهم بالمشائين، والأوسط منهم من يسكنون في رواق المدرسة وهم الرواقيّون، والأعلى سكان الداخل. وكان يدرس على الترتيب وكان المولى الفَنَاري ساكناً في رواق المدرسة لحداثة سنه.

روى أنه لمّا بلغ السيد صيته ارتحل إلى بلاد الروم ليقرأ عليه فلما قرب منه رأى شرحه لـ "الإيضاح" فلم يعجبه، وروي أنه قال في حقّه إنه كالذباب على لحم البقر، فقيل له إن تقريره أحسن من تحريره، فقصده الشريف فصادف موته ولقي الفَنَاري وذهب معه إلى مصر.

 

مذهبه: ذكر غير واحد من العلماء – مثل "حاجي خليفة" و"إسماعيل الباباني" - أنه شافعي المذهب كجدّه الفخر الرازي صاحب التفسير، غير أن العلّامة "الأدنه وي" - من علماء القرن الحادي عشر الهجري – صاحب "طبقات المفسرين" ذكر أنه حنفي المذهب، فقال: (هو الأستاذ على الإطلاق والمشار إليه بالإتفاق، وله التصانيف التي سارت بها الركبان، وله حواش على تفسير الكشاف وله شرح الإيضاح في المعاني. وكان جامعاً للعلوم الشرعية، والعقلية، والعربية، ودرس العلوم وأفاد، وصنّف وأجاد، وانتفع به كثير من العلماء والفضلاء.

وكان من نسل الإمام فخر الدين الرازي صاحب التفسير الكبير، ولكن المولى الرازي من علماء الشافعية، ولعله – أي جمال الدين الأقسرائي - تحنّف وأبوه محمد، لِما أنهما ذكرا من أئمة الحنفية) اهـ.

 

أما عن نِسبته "الأقْصرائي": فيذكر "حاجي خليفة" أنها نِسبة إلى "اقْسراي" بلدة من بلاد الروم قريب من قيسارية، وأشار أن إليها ينتسب الشيخ جمال الدين محمد بن محمد بن محمد الأقسرائي.

ويقول العلامة خير الدين الزركلي (المتوفى سنة 1396 هـ) في "الأعلام" ومثله السيد "عادل نويهض" في "معجم المفسرين" – ولعله نقل عنه - أنها: "أق سراي" من بلاد الروم، ومعناها "القصر الأبيض".

ويُحدثنا الرحالة الشهير ابن بطوطة اللواتي الطنجي (المتوفى سنة 779 هـ) بمزيد تفصيل عنها، فيقول: (مدينة أَقْصَرا: وضبطها بفتح الهمزة وسكون القاف وفتح الصاد المهمل والراء، وهي من أحسن بلاد الروم وأتقنها، تحفّ بها العيون الجارية والبساتين من كل ناحية، ويشقّ المدينة ثلاثة أنهار ويجري الماء بدورها، وفيها الأشجار ودوالي العنب، وداخلها بساتين كثيرة، وتصنع بها البسط المنسوبة إليها من صوف الغنم لا مثل لها في بلد من البلاد، ومنها تحمل إلى الشام ومصر والعراق والهند والصين وبلاد الأتراك).

قلت: وهي بخلاف مدينة "الأقصر" الشهيرة بصعيد مصر الأعلى، ذات القصور والمعابد المصرية القديمة الكثيرة، والنِسبة إليها: (أقْصُري) و (أقْصُرائي).

 

من مُصنّفاته: "شرح الإيضاح"، و"التلخيص في المعاني"، و"شرح الموجز" في الطب، و"كشف الإعراب في شرح اللباب للاسفراييني" في النحو، و"شرح غاية القصوى للبيضاوي" في فروع الشافعية، و"حواشي على مجمع البحرين لابن الساعاتي"، و"شرح الكَشَّاف للزمخشري". وأخلاق الجمال، وشرح حديث "أن الله سبحانه وتعالى خلق آدم على صورته"، و"نزهة الأرواح" في شرح أبيات الشيخ أوحد الدين وبعض الصوفية، وشرح "مشكلات القرآن الكريم" فارسي في مجلد في كتبخانة إبراهيم باشا فرغ من كتابتها سنة 766 هـ. قال الزركلي: "وفي خزانة "داماد إبراهيم" في إسطنبول نسخة من كتابه "إيضاح الإيضاح" بخطه، انجزها في شعبان 776 هـ.

 

وفاته: ذكر "حاجي خليفة" في "سلم الوصول" أن وفاته كانت سنة 776 هـ / 1374 م، وقيل بل توفي بعدها. ويقول السيد "عادل نويهض" أن في تاريخ وفاته خلاف بين المؤرخين، فقيل توفي: سنة 771، وقيل: سنة 779، وقيل سنة 791 هـ.

 

إعداد: أحمد فرغل الدعباسي البكري

أمين عام مشيخة السجادة البكرية – رئيس لجنة تحقيق الأنساب

بتاريخ 17 رمضان 1438 هـ / 12 يونيه 2017 م

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر والمراجع:

1. الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية ، أحمد بن مصطفى بن خليل، أبو الخير، عصام الدين طاشْكُبْري زَادَهْ (المتوفى: 968 هـ) ، دار الكتاب العربي – بيروت .
2. رحلة ابن بطوطة (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) ، محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي، أبو عبد الله، ابن بطوطة (المتوفى: 779 هـ) ، أكاديمية المملكة المغربية – الرباط ، سنة 1417 هـ .
3. سلم الوصول إلى طبقات الفحول ، مصطفى بن عبد الله القسطنطيني العثماني المعروف بـ "كاتب جلبي" وبـ "حاجي خليفة" (المتوفى 1067 هـ)، تحقيق: محمود عبد القادر الأرناؤوط ، إشراف وتقديم: أكمل الدين إحسان أوغلي ، الناشر: مكتبة إرسيكا - إستانبول ، سنة 2010 م .
4. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ، مصطفى بن عبد الله القسطنطيني العثماني المعروف بـ "كاتب جلبي" وبـ "حاجي خليفة" (المتوفى: 1067 هـ) ، مكتبة المثنى – بغداد .
5. ديوان الإسلام ، شمس الدين أبو المعالي محمد بن عبد الرحمن بن الغزي (المتوفى: 1167 هـ) ، تحقيق: سيد كسروي حسن ، دار الكتب العلمية - بيروت ، الطبعة الأولى 1411 هـ - 1990 م .
6. طبقات المفسرين ، أحمد بن محمد الأدنه وي (من علماء القرن الحادي عشر الهجري) ، تحقيق: سليمان بن صالح الخزي ، مكتبة العلوم والحكم – السعودية ، الطبعة الأولى 1417 هـ- 1997 م .
7. معجم المطبوعات العربية والمعربة ، يوسف بن إليان بن موسى سركيس (المتوفى: 1351 هـ) ، مطبعة سركيس بمصر ، سنة 1346 هـ - 1928 م .
8. الأعلام ، خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الزركلي الدمشقي (المتوفى: 1396 هـ) ، دار العلم للملايين ، الطبعة: الخامسة عشر - أيار / مايو 2002 م .
9. هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين ، إسماعيل بن محمد أمين بن مير سليم الباباني البغدادي (المتوفى: 1399 هـ) ، طبع بعناية وكالة المعارف الجليلة في مطبعتها البهية استانبول 1951 م ، أعادت طبعه بالأوفست: دار إحياء التراث العربي – بيروت .
10. معجم المؤلفين ، عمر بن رضا بن محمد راغب بن عبد الغني كحالة الدمشق (المتوفى: 1408 هـ) ، مكتبة المثنى - بيروت، دار إحياء التراث العربي – بيروت.
11. معجم المفسرين : من صدر الإسلام وحتى العصر الحاضر ، عادل نويهض ، قدم له: مُفتي الجمهورية اللبنانية الشَّيْخ حسن خالد ، الناشر: مؤسسة نويهض الثقافية للتأليف والترجمة والنشر - بيروت ، الطبعة الثالثة 1409 هـ - 1988 م .