سلالة الصديق

historybio.jpg

 سيَر ، وتراجم الأعلام من ذرية سيدنا أبي بكر الصديق – رضي الله عنه ، الرجال والنساء والأسباط ، على مر الزمان ، وعلى إمتداد العمران والبلدان .

مرتبة تنازلياً حسب عام الوفاة ، وهو قسم متجدد بإستمرار إن شاء الله تعالى. 

الشيخ عبد الله بن سعيد العمودي مولى الرباط

الشيخ أبو محمد عبد الله بن سعيد العمودي مولى الرباط ( رباط با عشن )

هو الشيخ عبد الله بن سعيد بن عثمان بن عبدالرحمن بن عبد الله بن عثمان بن أحمد الأخير بن محمد بن عثمان بن أحمد القديم بن محمد بن عثمان بن عمر بن محمد بن الشيخ سعيد بن عيسى العمودي البكري. ترجمه تلميذه الشيخ الأديب المتفنن في مناقب خاصة له الشيخ عمر بن أحمد بن عبد القادر بن سعيد بن عثمان العمودي، وابنه أحمد بن عمر سنة 1116 هـ ، قالا فيها بعد ذكر الخطبة، ونَسَبه إلى آدم أبي البشر: وُلِد شيخنا رضي الله عنه ونفع به كما رأيته بخطّه وقت طلوع الشمس من يوم الجمعة إثني عشر في جماد أول وثمان في نجم الطرف سنة ( 1068 هـ ) ثمان وستين بعد الألف من هجرته صلى الله عليه وسلم ، ورأى والده المنور سعيد بن عثمان كأنّ القمر وقع في حجره ، فقص تلك الرؤيا على بعض صلحاء آل العمودي فأعجبوا بذلك وقالوا له أنه يولد لك مولود يكون قمر زمانه ، يسود على أقرانه.

نشأ على العفة والأمانة والأخلاق الحسنة والديانة وقراءة القرآن العظيم ، وفتح الله عليه في مدة يسيرة، ثم بعد ذلك دأب على مطالعة الكتب وتعلم الكتابة ، وعرف العبارات وفهم الإشارات وآثر الخلوات ولما لاحت على جبينه لوائح السعادة وطلب الترقي والزيادة بعثة والده إلى قيدون - أي بعثه من الرباط - لطلب العلم، فقرأ كتاب الشيخ إسماعيل بن المقري على شيخه الفقيه العلامة محمد بن عمر معلم نفع الله به، فما أخذ إلا مدة يسيرة حتى ختم ذلك الكتاب وجاء بالعجب العجاب وفتح الله عليه بعلوم الشرائع و الطرائق والحقائق وعلوم الأسماء وغير ذلك مما خفي، وأخذته تلك العلوم أعني علوم الحقائق فأخرجته عن طور الفقهاء حتى عرف بالشيخ من بين أقرأنه. وكان يتكلم في كل علم على البديهة من غير حدوث وارد ولا تغير حالة، بل قد يكون في بعض أشغاله ومهماته ويؤلف ويكتب مؤلفاته ولا يشغله شيء عن شيء لقوته وتمكنه وتبحره في العلوم. وكان رضي الله عنه بالرباط يحل عويصات المسائل بالفكر والاستنباط يستبرئ لدينه ويأخذ بالاحتياط .

وكان رضي الله عنه فصيحاً، وسيماً، أسمر، أشعر، كث اللحية، معتدل القامة، ذا هامة وضخامة وشهامة، قوي الجأش، ناهض العزيمة، ذا شجاعة وبسالة وسخاوة وبشاشة، يتكلم مع الناس على قدر عقولهم، ويصبر على الأذى من أفعالهم ومقولهم، وكان إذا أعجبه شيءً يُرضي الله رأيت البشر ظاهراً في وجهه، وإذا أغضبه شيء مما فيه سخط الله تنفس الصعداء وترى الحزن ظاهراً عليه، لا تحكم عليه العوائد ولا تقعده عن النهوض بالحق القواعد، ولا تزيغه  الأهواء عن أحسن المقاصد. يبذل في حاجاته ومجتهد في مهماته مسافراً لنوائبه وأغراضه ولا يصده العذول، أشبه هدياً بالسلف الصالحين وأقرب إلى أخلاق الصديقين.

ولما نوى الإقامة عند آل أبي عشن في أعلا دوعن في الرباط الفائق والنور الشارق كما قال ذلك في مناقب سيدنا الشيخ سعيد بن عيسى نفع الله به بمجاورة ضريح شيخه أحمد المذكور أولاً ليقتبس من أرجائه من النور ويستظل بقباء بيته المعمور، أراد أن يتخذ عريشاً  يكنه من الحر والبرد، فلما علم الله تعالى صدق عزيمته وحسن عقيدته سخر له قلوب المريدين فابتنوا له أفخر المساكن باللبن والطين وكان عندهم وعند غيرهم من المكرمين المبجلين، وفي جميع الجهات معروف بأحسن الصفات.

وكان في صغره يلازم الشيخ الأكرم الأفخم ذا الفضائل الجمة رفيع القدر والهمة الشيخ محمد بن عمر العمودي المعروف (بالغزالي) وآل الغزالي من آل العمودي مازال لقبهم يصحبهم إلى يومنا هذا، وكان ذلك الشيخ يثني عليه ويلتمس منه الدعاء ويعد فيه بوعد جميل لما يرى من تمام نشأته وجميل سيرته وكان كثير التزوج لم تزل في غالب الأوقات في عصمته أربع نسوة فعوتب في ذلك فقال أن هذا الأمر أراده الله لا لطلب الشهوة وكان كلما اشتد الجدب والقحط على الناس تزوج أو دخل في أمر له مؤن ثقيلة وهو غير مكترث مع ضعف الأسباب وضيق المعاش فدل ذلك على قوة يقينه ووثوقه بما في يد الله وسكونه على وعد الله. وتوفي عن ثمانية أولاد ثلاثة ذكور كل واحد منهم على أم (حسين وعثمان وحسن، وخمس أناث رقية شقيقة حسين، وخديجة على أم، وأسما وفاطمة وعالية ثلاث شقائق).

ارتضع ألبان المعارف، ودرّت له ثدي علومه ولطائفه وكان له أنفاس كثيرة مدونة، منها تائية عظيمة جامعة لعلوم الشرائع والطرائق والحقائق تُنبِي على قوة الاطلاع وعظم الاتساع في نحو كراسة. وكان يتكلم بلسان شيخه أحمد بن عبد القادر باعشن وذلك الشيخ من أهل الصديقية الكبرى ولعل شيخنا عبد الله ورث حاله كما دل على ذلك لتشبه به في أفعاله وأقواله وجميع أحواله. وله مؤلفات عديدة جامعة مفيدة تدهش عقول الفحول ولا توجد في منقول ولا تدرك بمعقول من تصفحها أذعن له وهابه وعظمه واعز جنابه شعر :

فيا بحر علم قد تلاطم موجه ... ويا علماً قد ناف في المجد أوجه 

كأنك طود في المعالي شامخ ... فيعجز طلاب المعالي عروجه

تبث علوماً لم يدعها مؤلف... بها شرف للعلم اوضح نتجه

اللهم فارض عنه وزد في علو درجته وانفعنا وجميع المسلمين ببركاته.

فمن مؤلفاته - رضي الله عنه: كتاب جامع علوم الشرائع والطرائق والحقائق سماه بكتاب (لطائف السلوك إلى حضرة ملك الملوك) ذكر في مقدمته انه رتبه على أربعة وعشرين باباً.

الباب الاول: في العلم وفضيلته وما حقيقته وما الواجب منه وفيه فصول مجملة.

الباب الثاني: في التوبة وحقيقتها وما المقصود منها وما شروطها على الجملة فيه فصول.

الباب الثالث: في ذكر طريق القوم وفيه فصول.

الباب الرابع: في ذكر ما يجب على العبد من الحقوق الظاهرة والباطنة وفيه فصول.

الباب الخامس: في ذكر الإسلام وفيه فصول وهذا نحو مجلد في القطع الكامل بخطه وكل مؤلفاته بخط يده.

الباب السادس: في ذكر الإيمان وفيه فصول وهذا نحو مجلد في ذلك القطع أيضاَ.

الباب السابع: في ذكر الاحسان وفيه فصول.

الباب الثامن: في ذكر اليقين وفيه فصول.

الباب التاسع: في ذكر وضائف الاوقات المختارة وفيه فصول.

الباب العاشر: في الذكر والفكر.

الباب الحادي عشر: في ذكر المعروف وفيه فصول.

الباب الثاني عشر: في ذكر المحبة وفيه فصول.

الباب الثالث عشر: في ذكر الصحبة والإخوة وذكر أحوالهم وفيه فصول.

الباب الرابع عشر: في ذكر الخلطة والعزلة وفيه فصول.

الباب الخامس عشر: في ذكر النار وأهلها.

الباب السادس عشر: في ذكر المشيخة والولاية ومراتبها وفيه فصول.

الباب السابع عشر: في ذكر الحضرة واهلها ومراتبها.

الباب الثامن عشر: في ذكر الصديقية الكبرى والكنزية والنيابة والغوثية والقطبية.

الباب التاسع عشر: في ذكر الاسم الاعظم وسائر الأسماء الحسنى.

الباب العشرون: في ذكر اختلاف أهل الطريق مقاماً وحالاً.

الباب الحادي والعشرون: في ذكر طريقتنا ونسبتنا وسلسلتنا ذكراً ومرقة وفيه فصول.

الباب الثاني والعشرون: في ذكر المواعظ وفيه فصول.

الباب الثالث والعشرون: في ذكر جملة من مناقب السادة الأكابر وفيه فصول.

انتهى التبويب .

وهو أعني  الكتاب لم يتم بل وصل فيه إلى الباب الثالث والعشرون في ذكر الصحبة إلى آخره المتقدم ذكره، كما ألف كراس في الباب الثاني والعشرون.

منها تأليف يسمى (البديع الجامع) المنبئ عن المهم من معاني الاسماء في نحو مجلد ضخم رتبه على حروف المعجم بترتيب حروف أبجد لكنه لم يتم وصل فيه إلى حرف الكاف.

ومنها مجلد ضخم (شرح فتح البصائر) لمحي الدين أبي محمد الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه سماه كتاب (عيون السرائر وتحف النواظر) تنبيه لدعاء فتح البصائر لسيدي محيي الدين عبد القادر.

ومنها مجلد فيه شرح حزب شيخه الشهاب ابي محمد أحمد بن عبد القادر ابي عشن نفع الله به وسماه كتاب (فيض فتوحات الملك القادر شرح عل حزب الشيخ أحمد بن عبد القادر).

وفيه أيضاَ حزب الشيخ الكبير الشهير بأبي مدين شعيب ابن الحسين الأنصاري رضي الله عنه اسمه كتاب (واردات الجمال الفيضية الأقدسية) المتكلفة بحل دائرة الكمال المسمى (بحزب الاحدية).

منها مجلد لطيف في علم الإسم والحروف سماه كتاب (رسالة العصمة من الرؤف في استخراج اسرار الحكمة من الحروف).

ومنها نبذة لطيفة شرحاً على قصيدة الشاعر الشيخ أبي شوية نفع الله به التي أولها:

لنا في كلمة التوحيد سر ... وفي تكرارها شرح يطوله

سماه كتاب (الجوهرة الفائقة المنيفة في ذكر فوائد معاني الكلمة الرائقة الشريفة) شرح المنظومة الصالحة الملحية التي هي في حقائق طرائق المناهج الصحيحة من أنوار أسرار شوارق بوارق مطالع لوامع المعارف الصحيحة.

وهذه نُبذة مُختصرةٌ لما وجدناه لهذا الشيخ العمودي البكري من ترجمةٍ (في ملزمةٍ صغيرةٍ) لا تتعدى الصفحات من كتاب (بشرى المنقبين عن مجد العموديين) للشيخ العلامة الفقيه "محمد بن علي بن عوض بن سعيد بن زاكن بن سعيد بن زاكن بن عمر بن زاكن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن حنان بن أبي بكر بن علي بن الشيخ عبد الله المعروف بابن شملة با حنان" يتصل نسبه بالأشعث بن قيس الكندي الصحابي المشهور رضي الله عنه. ومع الأسف الشديد لم نجد حتى كتابة هذه الترجمة أي شيء منها نسأل الله في علاه أن يظهرها في يومٍ من الأيام.

ومن حِكمه رضي الله عنه وأرضاه مقولته المشهورة حيثُ يقول: إذا انهدت القواعد سقط من فوقها القاعد والقواعد، ويقصد بها الشير والأمير و الحاكم و الوزير، والقاعد الرعية وإنهداد القواعد تغيرها، وتغيرها بالجهل والهوى والطمع والدعوى وعدم الإنصاف والعدل وعدم النصيحة والشفقة للكل. 

في أواخر عمره رضي الله عنه يوم الخميس العاشر من رجب سنة 1111 هـ إحدى عشر ومائة وألف قصد الحج إلى بيت الله الحرام، كما أنه لم يزل بذلك كثير الاهتمام كل وقت وعام حتى قدر الله ذلك فأم تلك المسالك، فأخذ في أهبة السفر لما حان وقته فارتحل على بركة الله يطلب منه رفده ويستعيذه مقته هو وأصحابه، فحصل له الرفق التام وساعدته الليالي والأيام وسافروا بحراً إلى عدن فما لبثوا بعد وصولهم إليها إلا مدة يسيرة حتى جاءهم أمير تلك البلد وقال للشيخ المذكور إن الإمام أودعني أن لا أدع صاحب مظهر وشأن يظهر في البندر إلا وأعلمه به وأنت وذلك أن أردت أن أعلمه بك وأحملك إليه، فشاور الشيخ أصحابه فاجتمع رأيهم على المجيء إلى الإمام خائفين طول المدة بسبب المراجعة وخشوا أن ينقطعوا عن الحج بسب ذلك فوصلوا إلى عند الإمام مبجلين مكرمين مستسلمين لقضاء رب العالمين، وحصل للإمام مقصده الذي طلب الشيخ لأجله ثم بعد ذلك طلبهم يسافرون صحبة جيش بعثه لمودع خارج عليه فحصل لهم تنكيد وحسد ففروا إلى مكة فكان في ضمن ذلك تمحيص لأعمالهم وتهذيب لأخلاقهم وإلحاق بمن سلف ممن نسج على منوالهم، إذ لابد لسالكي تلك الطريق من الابتلاء كما أنه لم يقع الإصطفاء إلا بعد الإسطلاء.

وقطعوا الشقة بعد حصول تلك المشقة، فوصلوا إلى مكة حرسها الله تعالى وأخذوا في أول مناسكهم لطلب مرضاة مالكهم، فلما دخلوا أسرعوا وطافوا للقدوم وسعوا، وحضروا الوقوف على جبل عرفات على أكمل الهيئات وحسن الصفات وتعرضوا بجوامع الدعوات للقبول والنجاة. ولما فرغوا من الفروض والسنن متحللين سافروا إلى طيبة راحلين سائرين على السير المعتاد حتى دخلوا خير البلاد، فبادروا الزيارة للنبي الكريم مسرعين فسلموا عليه ودعوا خضوعا خاشعين وزاروا الشيخين وقصدوا البقيع وجميع المآثر ثم ترحلوا من عند المصطفى وصحابته الكرام مسرورين متحفين بالبر والإنعام والإكرام، ولم يزالوا معرجين لزيارة المشايخ في الترحال حتى وصلوا أوطانهم في أصفى بال وأنعم حال.

ثم إن شيخنا رضي الله عنه لم يزل في باقي مدته التي أمهله الله فيها يحافظ على طاعة مولاه ويراعيها ويتعرض لإكمال النفحات التي أعطيها بهمة وشدة و نفس مستعدة لا تغيره الأزمان ولا تحجبه الأكوان عن الشهود والعيان قلبه بالمعارف ملان وطرفه قرير ربان مستسلم بل يحب لما قدر الرحمن. فما هو إلا ان جاء بشير اللقاء من مولاه فأجابه ولبّاه، ونال غاية ما يتمناه إذ حان وقت وفاته وانقضت أيامه وساعاته وختم الله له إن شاء الله بالحسنى وأنزله المقام الأسنى وزفت روحه الزكية إلى حضرته العلية وكان من الفائزين بالقرب من رب العالمين في أعلا عليين جمعنا الله به وبعباده الصالحين وألحقنا بهم أجمعين آمين.

توفي رضي الله عنه أول ليلة الأربعاء السادس عشر من شهر القعدة سنة 1116 هـ ست عشر ومائه وألف ، فحصل للخلق من الجزع مالا يطاق، إذ كان كالشمس الطالعة في الآفاق فافلت شمسهم وذهب أنسهم وغيب شخصهم. ودفن شيخنا رضي الله عنه في مسجده المعمور بالرباط بوصية منه لأصحابه بذلك، وقد علم بعض أصحابه قبره قبل بناء المسجد كشفا منه وكأنه استثناه عند ما أخذ في أول بناه.

وقد رثاه صاحبه الصادق في المودة في تلك المدة الأديب الفطن المصقع الفصيح اللسن "أحمد بن سعيد باعشن" بمرثاتين، أحدهما بالصريح والأخرى تلويح، أحببنا أن نذكرهما، الأولى هذه :

مــن لـصب جـفاه طـيب الـمنام ولـعين تـفيض فـيض الـغمام

ولـجـسم يــرى ولـيـس سـقـيما فــي نـحول وعـبرة وسـقام

لـم تـبق لـه الـنوائب رسـماً غـير اسـم يـدعى به في الأنام

كـيف لا ثـم كـيف لا ؟ فـاعذروني في نـحولي وعبرتي وهيامي

فـفـؤادي مـن الـفراق مـصاب وجـفوني مـن الـدموع دوامـي

كـان لـي قـبل مـا جـرى بـغص صبر لخطوب الدهور والأعوام

فـنـقضى صـبري وعـز اصـطباري لـنقضي الـكرام إبـنا الـكرام

وفـــراق الأحــبـاب أرق جـفـنـي وعــرانـي بـلـوعـة وغــرام

لــم أزل بـعـدهم حـلـيف سـهـاد فـي لـيالي الأزمـان والأيـام

كــل خـطـب فـهـين ومـصـاب فـهـو سـهـل إلا مـصاب الإمـام

شـيـخنا وغـيـاثنا خـير شـيخ وغـياث سـامي الـذرى والـمرام

ذاك حبر العلوم من غير شك ذاك شيخ الدروس يروي الدوام

هـــو بــحـر لــكـن زلال وعــذب هــو بــدر لـكـنه فــي تـمـام

يـا رعـى الله جـمعنا حـيث كـنا فـي زمـان يـروق بـالابتسام

وســــرور ونــعـمـة وحــبــور لا نــبـالـي فــيـه بــقـول مـــلام

رحــت عـنـا بـالـنور حـائـز غـنـم هـكـذا ضـبـط نـعـيه بـالتمام

غـبت عـنا حـسا ومـا غـبت مـعنى أنـت مـعنا وعندنا بالدوام

ولــكـل مــنـا وإن طـــال وقــت وزمــان ذواق كــاس الـحـمام

وقـضـى قـبـله شـريـف مـنيف مـن بـني عـلوي غـوث الأنـام

ذلـــك الــبـار مـــن حـــوى كـــل بـــر ووفـــاء وعـفـة ونـظـام

مـــن تـفـضـت أوقــاتـه فــي دروس وصــلاة وعـزلـة وصـيـام

وتـوفي مـن قـبله ابـن حـسين مـن له في العلوم أعلا مقام

جـامع الـفقه والـحديث مـع الـنحو وعـلم الأداء وعـلم الـكلام

وبـهـم عـصـرنا يـفـوق إفـتخار وتـسامى عـلى عِـراقٍ وشـام

مــن بـهـم قـطـرنا عــلا كـل قـطر ودلالاً عـلى عُـصورٍ وقِـدام

وتـقـضى مـنـا بــذا الـعـام إخــوان كــرام فـيـالهم مــن كـرام

وبـقـينا مــن بـعـدهم فــي عـنـاء ونـكـاد إلــى ورود الـحـمام

سـنـة الله فــي الـخلائق طـراً حـكمة الله فـي جـميع الأنـام

نــسـأل الله ربـنـا الـعـفو عـنـا وإجـتـماعاً لـنـا بــدار الـسـلام

آه لــو سـمـح الـزمـان بـعـود فـعـسى أن تـعـود لـي أيـامي

فـــي حـمـا جـامـع الـعـلوم جـمـيعا وإمــام الأئـمـة الأعــلام

وصــلاة الإلــه فــي كــل وقـت أوان عـلى الـنبي الـتهامي

وعـلى آلـه وصـحبه كل حين ما تغنت في الأيك ورق الحمام

وهذه الآخرى:

دموع جفوني أظهرت كل ما أخفى ... وشاهد وسم الحار يغني على الوصف

تفكرت والذكرى تهيج لذي الصفاء ... شجونا وإن دامت تول إلى الحتف

تذكرت إخوانا مضوا لسبيلهم ... وكنا بهم في غاية الأنس والألف

بهم وقتنا قد راق حسنا وبهجة ... وتاه دلالا بالجمال وبالطرف

بهم تم بدار الأنس في حندس الدجا ... كما تم بدر التم في ليلة النصف

لهم سيرة سارت على خير سيرة ... وأخلاقهم تحكي النسيم مع اللطف

يبين لنا من ذكرهم كل مشكل ... ويبدوا لنا من نشرهم أطيب العرف

فآهاً على حزب الهدى ورجاله ... وأهل الندا والفضل والعلم والعرف

وآهاً على أهل الفصاحة والنهى ... وآهاً على أهل المحابر والصحف

وآها على من يكرم الضيف إذا أتى ... وآها على أهل السماع لدى الدف

وآها على أهل التلاوة والصفاء ... وآها على أهل الأمانة للصف

مساجدنا تزهوا بهم وبلادنا ... تفوق بهم كل البلاد ولم أخف

فضائلهم لما تخلفت عنهم ... مع خلف قد أوحشوا الربع بالعنف

قصارهم كست الحرام وجمعه ... سوى كان من حل وإن كان من وقف

وذو الجهل مرفوع لديهم بلا ابتدأ ... وذوا الفضل مخفوض لديهم بلا حرف

وذو المال مبني على الرفع قدره ... وما زال ذو ترك الإقلال مصون بالظرف

وذو ا الدين فيهم خامل ومذلل ... وذو ا الظلم فيهم لم يزل شامخ الانف

فوا حسرتي كم ذا ارى ما يسؤني ... وكم ذا رأى ما يؤذن الاسم بالصرف

وكم ذا رأى من جاهل وهو جاهل ... لقدري واغضني عن معايبه ظرفي

مقامي بأرض ليس لي ناصر بها ...  أكاد وأخشى أن يكون بها حتفي

سأرحل من ذود العزيمة مركباً ... واطلب ما يعلوا ولم أرض بالخسف

فله همه تسمو ولي نظرة زكت ... ولي فطنة جلت عن العي والضعف

في ختام الترجمة قال المُترجم: كان الفراغ من تعليق هذه الورقات وكتابتها صحوة الاثنين آخر أيام التشريق سنة 1116 هـ ستة عشر ومائة وألف. بحمد الله ومنه على يد الفقير إلى الله وجوده عمر بن احمد بن عبدالقادر بن سعيد بن عثمان العمودي، وابنه احمد بن عمر العمودي.

 

عُني بنشرها: الشيخ عبد الله بن عمر آل أبي بكر الشهير بالشاطر العمودي البكري


تاريخ النشر
يوم 1 رمضان 1438 هـ / 26 مايو 2017 م