سلالة الصديق

عبد الرحمن بن سالم العتيقي⁽[1]⁾: الشيخ عبد الرحمن بن سالم بن عبد الله بن حمد بن عبد المحسن بن منصور العتيقي، معالي مستشار أمير دولة الكويت. نشأ في الكويت وعاصر المرحلة الإنتقالية من الإمارة إلى الدولة في بداية نشأتها، وتولى فيها عدداً من المناصب القيادية في المرحلة التأسيسية، فكان قيادياً مؤسساً لعدد من الدوائر والمشاريع والمبادرات الحكومية والأهلية. واشتهر كوزير في المجتمع الكويتي بصاحب القميص الأبيض لشدة نزاهته وتورعه عن الشبهات. تولّى حقائب النفط والمالية في فترة تأسيس منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك"، فكان من أبرز فرسانها في فترة ازدهارها وتوجه المنظمة إلى مقاطعة الدول الغربية بسبب مهادنتها لإسرائيل.

بادر إبان تولّيه حقيبة المالية بعدد من التشريعات والتنظيمات التي صبغت إقتصاد الكويت لأجيال تلت. منها تأسيس قانون في عام 1976 م يوفر أموالاً باسم احتياطي الأجيال القادمة. والصندوق الكويتي للإنماء الاجتماعي والإقتصادي. والصندوق العربي للتنمية في الولايات المتحدة الأمريكية.

ارتبط مع الأمير الراحل الشيخ صباح السالم الصباح في سائر أدواره القيادية، ومن بعده مع الشيخ جابر الأحمد الصباح وزيراً ثم مستشاراً خاصاً له. وصاحبه في محنة الغزو العراقي قائماً بتنظيم شئون الديوان الأميري أثناء الغزو وحتى التحرير وبعد ذلك.

اهتم بذوي الإحتياجات الخاصة وترأس مجلس إدارة جمعية المعاقين منذ نشأتها ولسنوات طويلة. أُطلِق على العصر الذي مارس فيه نشاطه السياسي في الحكومة بالعصر الذهبي، ولم تبدأ الأزمات الإقتصادية مثل المناخ وغيرها إلا بعد أن ترك الوزارة. مضى عليه في خدمة الوطن أكثر من 70 عاماً ولا يكاد يخلو قطاع من قطاعات الوطن من بصماته، ولا يزال محبوه وأقرانه يذكرون مآثره ومحامده، لا تكاد تذكر شيئاً من إنجازاته إلا وتزاحمها وتنافسها إنجازات ومآثر أخرى، ومع ذلك فهو شخص لطيف المعشر لا يعرف الكذب ولا الزهو بما فعل، وإنما يحتسب ذلك الأجر عند رب العالمين.

وُلِد الشيخ عبد الرحمن العتيقي في 15 شوال 1346 هـ / 5 أبريل 1928 م في محلة العتيقي بوسط مدينة الكويت القديمة في بيت والده سالم بن عبد الله العتيقي، وكان والده سالم وارثاً لسلالة علمية عريقة من أسرة العتيقي. أدرك عبد الرحمن العتيقي جدته فاطمة بنت سليمان بن عبد المحسن وكانت امرأة مثقفة يجتمع عندها النساء فتقرأ عليهن القرآن وتفسيره وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. وكذلك كان جد عبد الرحمن العتيقي وهو الملا عبد الله بن حمد العتيقي سكرتيراً للشيخ مبارك الصباح وأمينه الخاص.

ولهم سند علمي متصل، فجد عبد الله وزوجته فاطمة من جهة الأم هو الشيخ أحمد بن محمد بن سالم العتيقي، العالم النجدي نزيل الكويت. وجدهما الأعلى هو الشيخ عبد العزيز بن حمد بن سيف العتيقي صاحب أقدم مكتبة للفقه الحنبلي في الكويت، وهو الذي نزل عليه حمد بن عبد المحسن العتيقي جد هذا البيت، ونهل من علمه، فأُعجِب بإستقامته وزوّجه حفيدته حصة بنت الشيخ أحمد، والتي أنجبت له الملا عبد الله واخوته: عبد العزيز ومحمد، فصار كل واحد منهم جد حمولة من عشيرة العتيقي.

وكان للنشأة المحافِظة التي شبّ عليها عبد الرحمن كبير الأثر في صقل شخصيته فيما بعد، وكان أبوه سالم أديباً من وجهاء البلد، وله ديوان كبير يجتمع فيه شخصيات البلد ويتبادلون الرأي في أمورهم، ومن هؤلاء صديقه الشيخ عبد العزيز بن محمد العتيقي، الذي دخل معه في شراكة تجارية في مطلع حياته، وكان الشيخ عبد العزيز يقوم بالتدريس في المدرسة المباركية التي التحق بها الطفل عبد الرحمن فدرس على الشيخ عبد العزيز اللغة العربية، وقبل ذلك التحق عبد الرحمن في مدرسة العثمان الأهلية لمدة سنتين 1932 – 1934 م حيث تعلّم فيها مبادئ الكتابة والقراءة والقرآن والحساب على يد مدرّسيها، مثل محمد العثمان وعبد العزيز العثمان وغيرهما. وكان من أساتذته في المباركية الشيخ عبد المحسن بابطين وغيره من المعلمين الأفاضل.

وتربّى الشاب عبد الرحمن العتيقي على مبادئ الإسلام والأخلاق الرفيعة منذ نشأته، وكان مع ذلك جلداً مثابراً دؤوباً على العمل والإنجاز. بدأ عبد الرحمن العتيقي حياته العملية بعد أن ترك المدرسة وعمره 15 سنة حيث اشتغل حوالي أربعة أشهر في محل خاص بلا مرتب. وكان ذلك من أجل التدريب على التعاملات التجارية. قال عن تلك الفترة: "كلّفت بأشياء كثيرة جداً وكنت أمشي مسافات طويلة حتى أصل إلى مقر عملي، ومن مقر عملي إلى الأماكن التي أكلف بالعمل فيها". فكان يكتب لأصحاب المحلات ويطبع لهم الرسائل التجارية، ويترجم لهم الرسائل الواردة باللغة الإنجليزية، في وقت كانت اللغة الأجنبية والطباعة سلعة نادرة. وكان مع ذلك أبيّ النفس غيوراً على وطنه ومواطنيه. التحق بالعمل في شركة نفط الكويت في الشئون الإدارية وشئون الموظفين وكسب اعجاب رؤسائه من العرب والأجانب. وهو يجيد اللغة الإنجليزية، وأكمل دورات تعليمية خاصة في المعهد التجاري في الاقتصاد والتجارة. وعمل في دائرة التموين عام 1943 م، وفي شركة تموين الأقمشة عام 1944 م.

عَمل في شركة الكويت المحدودة خلال الفترة من 5 ديسمبر 1945 م حتى مارس 1949 م. والتحق بخدمة الشرطة كسكرتير في بداية عهدها بتاريخ 7 أبريل 1949 م، وتولّى أعمال الترجمة والتحقيق والإشراف على السكرتارية من عام 1951 م إلى 1956 م. وعَمل سكرتيراً عاماً لدائرة الشرطة العامة في أغسطس 1956 م حتى نهاية عام 1958 م. ونُقِلت خدماته إلى دائرة الصحة العامة في 1 يناير 1959 م، وعُيّن مديراً لها حتى 19 ديسمبر 1961 م.

عُيّن سفيراً بوزارة الخارجية ديسمبر 1961 م، وهو أول سفير لدولة الكويت لدى الولايات المتحدة الأمريكية 1961 – 1963 م، ومندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة. وكان ثالث وكيل لوزارة الخارجية 2 يناير 1963 م – 4 فبراير 1967 م.

عُيّن وزيراً للمالية والنفط في الوزارة السادسة 4 أبريل 1967 م، ووزيراً للمالية والنفط في الوزارة السابعة 1971 م، ووزيراً للمالية في الوزارة الثامنة 9 فبراير 1975 م، ووزيراً للمالية في الوزارة التاسعة 6 سبتمبر 1976 م، ووزيراً للمالية في الوزارة العاشرة 16 فبراير 1978 م. وقد مَثّل الكويت في تأسيس منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط "أوبك". وهو الرئيس الفخري للجمعية الكويتية لمتداولي القطاع، وتولّى رئاسة مجلس إدارة بنك "انفستكورب" في البحرين، وتولّى رئاسة مجلس إدارة بنك البحرين والشرق الأوسط.

عُيّن مستشاراً لسمو الأمير الشيخ جابر الأحمد الصباح سنة 1981 م، ثم مستشاراً لسمو الأمير صباح الأحمد الجابر الصباح حتى تاريخه.

وكان عبد الرحمن العتيقي كاتباً إعلامياً وموثقاً متميزاً، وله عدة مقالات ومقابلات في الشأن العام المحلي والعربي، حظي بشعبية كبيرة بين أصدقائه وأقرانه. وتبرّع في إنشاء مسجد باسم زوجته "بلقيس الزهير" في ضاحية جليب الشيوخ بمدينة الكويت وأشرف على بنائه. وله دور بارز في متابعة مشروع شجرة العائلة "آل العتيقي" وتوثيق نسبها إلى العتيق أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حيث سَجّل له ذلك عدد من الباحثين والمؤرخين. وكان لأسرته دور بارز في اهتمامته رغم كثرة مشاغله الرسمية، فحرص على إقامة ديوان للأسرة بعد انتقال الناس من البلد القديم إلى الضواحي، ليكون بديلاً عن ديوان الأسرة الذي كان في مدينة الكويت، فكان ديوان "العتيقي" من أوائل الدوواين العائلية التي افتتحت في ضواحي الكويت.

تحفل مكتبة عبد الرحمن العتيقي الخاصة بمجموعة صور ورسائل من شخصيات محلية وعربية وعالمية، بما يتوافق واهتماماته الواسعة وخبراته المتنوعة ورحلاته العديدة. وهو صاحب حضور ونكتة حاضرة عندما تتهيأ الفرصة لذلك. تزوج مرتين، وله ثلاثة أولاد هم: أنور وأكرم وسالم، وله خمس بنات هن: نور الهدى وسلوى وسهيلة وسوسن وسحر، له منهم ذرية مباركة.