سلالة الصديق

historybio.jpg

 سيَر ، وتراجم الأعلام من ذرية سيدنا أبي بكر الصديق – رضي الله عنه ، الرجال والنساء والأسباط ، على مر الزمان ، وعلى إمتداد العمران والبلدان .

مرتبة تنازلياً حسب عام الوفاة ، وهو قسم متجدد بإستمرار إن شاء الله تعالى. 

محمد بن سيف بن حمد العتيقي

محمد بن سيف بن حمد العتيقي([1]): الشيخ محمد بن سيف بن حمد بن محمد العتيقي، هكذا سجل نسبه بخطه في 20 ذو القعدة سنة 1212 هـ في قيد تملك بالشراء لمخطوط "سراج القارئ المبتدئ وتذكار المقرئ المنتهي" لعلاء الدين علي بن عثمان القاصح العذري البغدادي. والعتيقي نسبة إلى العتيق أبي بكر الصديق رضي الله عنه. ولمحمد المترجم له عدة تراجم سابقة أقدمها لمعاصره عثمان بن سند في سبائك العسجد، ثم لمحمد بن عبد الله بن حميد في السحب الوابلة على طبقات الحنابلة، ثم لعبد الله البسام في علماء نجد في ثمانية قرون، ثم في بحث "علماء العتيقي في ثلاثة قرون" لعماد بن محمد العتيقي في مجلة الدارة.

وُلِد محمد بن سيف في سنة 1175هـ في بلدة أسرته حرمة من قرى نجد بإقليم سدير حيث تعيش أسرته. وكانت نشأته في بيئة علمية حيث كان والده إماماً لمسجد ابن سليم في بلدته حرمه، وصاحب مدرسة ومكتبة من أقدم المكتبات العلمية في نجد في وقتها. وكانت أسرته ميسورة حيث كان لوالدهم أملاك ونخل أوقف بعضها على المكتبة والمدرسة. وكان لمحمد إخوة عديدون نعرف منهم: حمد والشيخ صالح وعبد الله وإبراهيم. إرتحل محمد مع أبيه وأخيه صالح في طلب العلم إلى الأحساء حيث درس على علماء المذهب. يقول عنه أحد أقرانه عثمان بن سند: وُلِد في نجد فتردى برداء المجد ورحل مع أبيه إلى هجر وقرأ القرآن أيام الصغر وشغل به آناء الليل والنهار وعمل به رجاء الفوز في دار القرار وعادت عليه بركته وتمت به خيراته ونعمه واستحق ببركته مصاحبة الأخيار وتقديمه في الإيراد والإصدار والإشارة إليه بأنامل الإكرام وإجلاسه على فرش الإجلال والإعظام وانتظامه في سلك الأفاضل الأعلام. وتدل هذه العبارات على تعلق المترجم بالقرآن وعلومه وبلوغه أعلى المراتب العلمية في وقته.

يتضح من سيرته أنه دَرَس أول الأمر على والده سيف في حرمه. ويَذكُر البسام أنه قرأ على علماء سدير ولم يسمهم. والمشهور منهم ذلك الوقت أحمد التويجري وعبد الله المويس وعبد الله بن سحيم. وكونه ارتحل إلى الأحساء مظنة تلمذته على علمائه الذين درس عليهم أخوه صالح من قبله مثل محمد بن عبد الله بن فيروز وعيسى بن مطلق وعبد الوهاب الزواوي. كما يُستفاد من سيرته ومن الكتب التي وهبها له أبوه أنه استفاد من تلاميذ ابن فيروز مثل عبد المحسن بن علي الشارخي وعبد العزيز بن عدوان وأخيه صالح بن سيف، كما قد يكون درس على علماء الحرمين حيث ثبتت إقامته فيهما.

كان المترجم مولعاً بالعلم والكتب النافعة، ومنها ديوان شعر في مدح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليحيى بن يوسف الصرصري البغدادي الحنبلي وعليه قيد تملك للمترجم مؤرخاً في سنة 1204 هـ، ومنها تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل لابن الخازن الذي أوقفه أبوه سيف على أولاده. ومنها مجموع في الفقه والأخبار والفوائد وهبه أبوه سيف في آخر حياته على ما يبدو. جاء في صك الهبة: قد وهبت هذا الكتاب الشريف ولدي أصلحه الله "محمد بن سيف" هبة شرعية وأنا في حال نصحه. ويل لمن تعرضه فيه. فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم. وذلك في رجب سنة – 1100 هـ - ألف ومائة.

مع كثرة من ترجم لمحمد بن سيف لم يصلنا ما يكفي من أعماله. ولكن جاء في السحب الوابلة أنه تولّى إفتاء الحنابلة بمكة المكرمة. كما ذكر البسام أنه تولّى التدريس والإفتاء في بلد الزبير قُرب البصرة حيث استقر بعد انتقاله من الأحساء وقد استفاد منه خلق كثير. ومن المُرجّح أن انتقاله من الأحساء كان حوالي سنة 1206 هـ وهي السنة التي انتقل فيها أستاذه محمد بن فيروز ومن معه من أصحاب عندما ظنوا أن ابن سعود آخذه. وذلك لأن هذا الفريق لم يكن موافقاً لرأي آل سعود وكان ابن فيروز يُراسل السلطان العثماني ليستعديه عليه فلم يقدر. وكان محمد بن سيف ينظم الشعر في الفضائل. من ذلك ما ذكره البسام في فضل العلم والمتعلم:

أيا طالب الدنيا ومن كان همه
تفقه فإن الفقه يحمي من الردى
مدارسة الإخوان للعلم بينهم
 

 

لجمع حطام المال في كل ليلة
تعلم فإن العلم نعم الذخيرة
مقامة عز يا لها من معزة
 

ولكن أشهر أعماله على الإطلاق قصيدة نظم الجواهر في النهي والأوامر وهي في الآداب الشرعية. ذكرها ابن حميد والشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى ونسبوها إلى المترجم وكذلك فعل البسام ويتوفر منها عدة نسخ مخطوطة في دارة الملك عبد العزيز ومكتبات أخرى بالمملكة العربية السعودية. وجاء في مطلع نظم الجواهر:

أري المجد صعبا غير سهل التناول
بعيد مرام نادر من يحوزه
وأهل العلا قد نافسوا في اكتسابه
فلا مجد إلا باهتمام ورغبة
وملاكها تقوى الإله فإنها
وتنجي الفتى يوم الجزا وتجيره
وما نائل التقوى من الناس كلهم
 

 

شديداً أبياً معجزاً للمحاول
يشق على أهل الدناة الأرافل
فكانوا به أحياء تحت الجنادل
وقوة عزم باكتساب الفضائل
تبوئ في الجنات أعلى المنازل
من النار دار الخزي ذات السلاسل
سوى تارك المنهي للأمر فاعل
 

  ذكر ابن حميد والبسام أنه توفي قريباً من سنة 1200 هـ، وذلك مستبعد لعدة أسباب. منها: أنه له قيود تملك بخطه في سنة 1204 و 1212 هـ، ومنها: أن ابن سند صرح أنه كان على قيد الحياة وقت تأليفه سبائك العسجد وكان ذلك بعد سنة 1224 وقبل 1239 هـ. وكان المترجم حين ذلك في البصرة حيث لقبه ابن سند بالنجدي البصري. وكونه استقر في الزبير ودرس وأفتى فيها فترة يدل على تأخر وفاته عن سنة 1224 هـ بسنين. وقد ذكر ابن حميد أنه استقر في المدينة المنورة في آخر حياته بعد أن حج البيت. فلا شك أن هذا كان بعد إقامته في الزبير بفترة. ونقل ابن حميد في ذلك كرامة مفادها أن المذكور حج ثم زار النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مسجده. فلما خرجت القافلة خارج المدينة وعزم على الذهاب معهم إلى بلده رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النوم وقال له: "يا محمد كيف تخرج من عندنا وأنت من جيراننا؟"، فلما أصبح نأى عن السفر ورجع إلى المدينة، فأقام فيها أياماً قلائل ثم توفاه الله تعالى فيها. ولمحمد ابن عَالِم هو: سيف بن محمد، وكان جميل الخط جداً كما يتضح من قيد وقفه كتاب "هداية الراغب لشرح عمدة الطالب" للشيخ عثمان بن أحمد النجدي الحنبلي مؤرخاً في 7 ذي الحجة سنة 1236 هـ.

 

المصدر: كتاب السلالة البكرية الصديقية - الجزء الثاني ، لأحمد فرغل الدعباسي البكري.


تاريخ النشر
يوم 1 رمضان 1438 هـ / 26 مايو 2017 م


([1])  نقلاً عن موقع "أسرة العتيقي" الإلكتروني؛ والترجمة من اعداد: أ.د عماد بن محمد العتيقي