سلالة الصديق

historybio.jpg

 سيَر ، وتراجم الأعلام من ذرية سيدنا أبي بكر الصديق – رضي الله عنه ، الرجال والنساء والأسباط ، على مر الزمان ، وعلى إمتداد العمران والبلدان .

مرتبة تنازلياً حسب عام الوفاة ، وهو قسم متجدد بإستمرار إن شاء الله تعالى. 

بهاء الدين ولد

بهاء الدين ولد([1]): سلطان العلماء الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين بن أحمد بن محمود بن مودود الخوارزمي الهروي، نزيل قونية، المعروف بسلطان العلماء، وهناك رواية تقول أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي لقبه بـ "سلطان العلماء" في منام رآه كل علماء بلخ في ليلة واحدة. كان بهاء الدين فاضلاً صوفياً. وهو والد مولانا جلال الدين الرومي، ويتصل نسبه إلى سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وكان بهاء الدين ولد ينتمي إلى المدرسة الكبروية([2]).

وُلِد "بها الدين ولد" ببَلْخ – وهي الآن بأفغانستان – سنة 542 هـ / 1148 م، وقيل سنة 545 هـ، ودَرَس الحديث والتفسير والنحو وغيره من علوم عصره، ولما صار أهلاً للتدريس أخذ إجازة التدريس من "جماعة كبار العلماء" حسبما كان رائجاً في بلخ. وأقبل الناس عليه يسمعون منه العلوم ويتتلمذون عليه، وبعد عدة سنوات بدأ نشاطه في التصوف، ووزع أوقات إفادته بين علم القال وعلم الحال والوعظ والخطابة، وكان يُدّرس العلوم من أول الصبح إلى الظهر، وكان يشرح للتلاميذ حقائق التصوف وعلم الإشارة والحال عند صلاة العصر، وكان يلقي الوعظ والخطابة يوم الجمعة في المساجد. ومن فضائله أنه لم يخصص نفسه بناحية خاصة من النواحي العلمية، بل كان له يد طولى في كل النواحي، كان يفتي في مسائل عويصة ويرشد قضاة عصره إلى حقائق حل المسائل الواردة عليهم، وكان لا يطلب بفتواه شيئاً من المال. وكان معلماً ذا حلقة علمية يحضرها كبار المثقفين، وكان يسمح لكل وارد بدخول حلقته العلمية. وبعد فراغه من العلم والتدريس والفتوى وحل مشاكل الناس كان يتجه بالليل إلى صومعته يذكر الله ويشتغل بالأوراد التي اعتاد على تكرارها كل ليل. ومن خصائصه بين علماء عصره التواضع وهضم النفس حتى كان يخفي آثاره العلمية قائلاً: لا يستطيع تأليفي أن يظهر في الآفاق، ولست أهلاً لذلك، وأعرف نفسي كل المعرفة بأني لست أهلاً للتأليف والتصنيف، ولذلك لم يظهر أثره العلمي "المعارف" إلا بعد وفاته، جمعه ورتبه تلاميذه حرصاً على الإستفادة منه، وخوفاً على ضياعه. ومما اشتهر به بهاء الدين ولد أنه كان يخالف الفلاسفة، ويتمسك بآراء الشيخ أحمد الغزالي – المتوفى سنة 520 هـ / 1126 م - في الطعن على الفلاسفة والسعي بمحو آثارهم.

كان سلطان العلماء بهاء الدين ولد يود أن يهاجر من بلخ ويستوطن موطناً يكون قادراً فيه على نشر آرائه التصوفية والإجتماعية من غير أن يواجه المصاعب، وكان أيضاً يخاف مما يسمعه من ظلم المغول وطغيانهم وفجائعهم، وبذلك كله ترك بلاده نهائياً. فغادر بلخ ومعه أسرته كلها سنة 616 أو 617 ه / 1218 أو 1219 م، ومر في طريقه بخراسان، وذهب إلى نيسابور، ثم إلى بغداد ومكث بها قليلاً، ثم توجه إلى البلاد الحجازية لأداء فريضة الحج، ثم توجه لبلاد الشام، وخاصة دمشق وحلب، ثم توجه إلى الأناضول ومكث بها مدة في "لارندة" وهي المعروفة الآن بـ "قره مان"([3])، وبها توفيت والدة مولانا جلال الدين الرومي، وتم بناء مسجداً صغيراً تكريماً لها بتلك البلد حيث توفيت، وفي لارندة تزوج مولانا جلال الدين من "جوهر خاتون" الفتاة السمرقندية، ووُلِد له منها ابنه "سلطان ولد" بلارندة سنة 623 هـ / 1226 م.

وأخيراً توجه بهاء الدين ولد وأسرته إلى قونية بتركيا حيث استقر به المقام، فبدأ بهاء الدين بها فعاليات وعظه وتعليمه ونجح نجاحاً كبيراً، وبعد سنتين فقط توفي، في يوم 18 ربيع الثاني سنة 628 ه / 1231 م، وقيل سنة 618 هـ / 1221 م، والأولى أرجح. ومن تصانيف بهاء الدين ولد: الأسرار الروحية، ومشرق الشمسين في التصوف والأخلاق، و"المعارف الولدى في أسرار الاحدى" باللغة الفارسية.

 

المصدر: كتاب السلالة البكرية الصديقية - الجزء الثاني ، لأحمد فرغل الدعباسي البكري.


تاريخ النشر
يوم 1 رمضان 1438 هـ / 26 مايو 2017 م


([1])  هدية العارفين 2/ 110 ، معجم المؤلفين 9/ 233 ، إيضاح المكنون 4/ 487 ، المثنوي 1/ 8-12 ، جلال الدين الرومي بين الصوفية وعلماء الكلام صـ 63-69 ، الشمس المنتصرة صـ 51-56

([2])  الكبروية: نسبة إلى الشيخ نجم الدين كبرى المشهور بولى تراش، أي صانع الأولياء، وذلك لكثرة من نبغوا من مريديه وأصبحوا مشايخ كبار. وهناك تشابه كبير بين كتاب "المعارف" لبهاء الدين ولد، وبين كتب نجم الدين كبرى، مما يقطع بأنه كان من كبار مريديه. انظر: المثنوي 1/ 8

([3])  كانت "قره مان" عاصمة السلاجقة الروم، انظر: المثنوي 1/ 11