سلالة الصديق

historybio.jpg

 سيَر ، وتراجم الأعلام من ذرية سيدنا أبي بكر الصديق – رضي الله عنه ، الرجال والنساء والأسباط ، على مر الزمان ، وعلى إمتداد العمران والبلدان .

مرتبة تنازلياً حسب عام الوفاة ، وهو قسم متجدد بإستمرار إن شاء الله تعالى. 

طلحة الدراهم

طلحة الدراهم([1]): طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي، أحد أعلام آل أبي بكر الصديق، ومن أشراف المدينة المنورة، يعود إليه نسب الكثير من البكريين في العالم، وهو حفيد طلحة الفياض بن عبيد الله التيمي، فأمه: عائشة بنت طلحة بن عبيد الله، وأمها: أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، فقد ولده أبو بكر الصديق مرتين. ولُقّب بطلحة الدراهم لكرمه وجوده، وهو أحد الطلحات الستة المشهورين بالكرم، وهم: طلحة الفياض بن عبيد الله التيمي، وطلحة الجود بن عمر التيمي، وطلحة الدراهم التيمي البكري، وطلحة الخبز الهاشمي الحسني، وطلحة الندى الزهري، وطلحة الطلحات الخزاعي. ولطلحة الدراهم عقب كثير لا حصر له.

طلحة الدراهم سليل الأجواد الأزواد:

 طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم، فيه البيت والعدد من ولد أبي بكر الصديق، كان يُلقّب بطلحة الدراهم، لكثرة جوده وعطاءه من الدراهم، وهو أحد الطلحات الستة المشهورين بالجود كما أسلفنا. وهو حفيد الصحابي طلحة بن عبيد الله التيمي رضي الله عنه، المعروف بطلحة الخير، وطلحة الفياض، وطلحة الجواد (لقّبه رسول الله - صلى الله عليه وآل وسلم - بتلك الألقاب، لكثرة جوده)([2])، وهو أحد الطلحات الستة المشهورين بالجود، وابنته عائشة بنت طلحة هي والدة طلحة الدراهم - المذكور آنفاً - وأمها: أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

ووالده: عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم، لم ترد له سيرة وافية في كتب التراجم والسير، ولكن رجل أباه عبد الرحمن، وجده أبا بكر، وعمّه وزوج عمته وصهره طلحة بن عبيد الله الفياض، وعمته أم المؤمنين عائشة، وخالته أم المؤمنين أم سلمة، وولده طلحة الدراهم، وأخوه محمد أبو عتيق "لا يكون إلا جواداً كريماً"، فلا بدع فأم عبد الله بن عبد الرحمن: قريبة الصغرى بنت زاد الركب أبي أمية حذيفة بن المغيرة المخزومية، وأبي أمية هذا ثالث ثلاثة من قريش كانوا يدعون بأزواد الركب، لشدة كرمهم وسخاءهم المنقطع النظير، فكان لا يَنحر ولا يَذبح ولا يُطعِم ولا يُنفِق ولا يُوقِد أحد ناراً غيرهم إن كانوا في سفر، فسمّوا بـ (أزواد الركب)([3]). وأم قريبة الصغرى بنت زاد الركب: عاتكة بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس القرشي، ابنة السيد الجواد المشهور، وثاني اثنين من قريش سادا رغم قلة مالهم - هو وأبا طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي - وكان من مُطعمي قريش وأجوادهم([4]).

وجده: عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، السيد الجواد الشجاع، كان من شجعان ورماة قريش، وحكاياته في الجود مشهورة، وفي بطون الكتب مسطورة، فلا غرو فأخواله بنو دهمان بن غنم الكنانيون، اخوة بني فراس بن غنم الشجعان الكرام الأجاويد، ومنهم فارس العرب ربيعة بن مكدم الذي أجار وهو ميت، ولا يُعلم رجل من البشر أجار وهو ميت سواه([5]).

وقد تزوج أخاه محمد أبو عتيق بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق من إمراة فراسية كنانية من ولد الفارس الشهير "علقمة جذل الطعان" أنجب منها ولده: عبد الله المعروف بابن أبي عتيق، وكان أحد الأجواد، واشتهر بالدعابات.

وجد أبيه: أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وعنه يخبرك القرآن الكريم، وعنه يخبرك سيد بني عدنان صلى الله عليه وآله وسلم، ولن نزيد على هذا الحديث: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافيناه ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يداً يكافيه الله به يوم القيامة، وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلًا، ألا وإن صاحبكم خليل الله) رواه الترمذي([6]).

وأما الجد الأعلى لأبي بكر الصديق: وهو عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة القرشي، فكان يُدعى (عمرو السيال)، لفرط جوده وكرمه، فكأنه السيل في عطاءه، وكأن الكرم يتقطر ويسيل منه، وبنو عمرو السيال هذا هم بيت بنو تيم بن مرة وسادتهم وقادتهم، ومنهم أيضاً: عثمان بن عمرو السيال، وكان يُدعى (شارب الذهب)، فكان لا يشرب إلا في آنية الذهب، وهو أحد أجداد طلحة الدراهم من قبل أمه: عائشة بنت طلحة الفياض بن عبيد الله بن عثمان شارب الذهب بن عمرو السيال بن كعب بن سعد بن تيم، ومن بني عمرو السيال أيضاً: عبد الله بن جدعان بن عمرو السيال، وكان من أجود أجاويد العرب، ومن أسخى قريش، وقيل كان يُدعى أيضاً – مثل عمه عثمان – (حاسي الذهب)، وكان يُضرب به المثل في الجود، فيقال: أقرى من حاسي الذهب، لأنه كان لا يشرب الماء إلا في آنية الذهب، وحكايات جوده وكرمه وعطاءه تملأ الصحف والكتب، فليُطالعها من أراد الإستزادة. فهؤلاء قوم هم بيت الكرم والجود والسخاء كابراً عن كابر، فلله درك يا طلحة الدراهم.

عود على بدء: رَوَى طلحة عن أبيه وأمه، وعمتي أبيه: أسماء وعائشة بنات أبي بكر الصديق، ورَوى عنه أبناءه: محمد وشعيب ونوح. وقد أدرك طلحة الدراهم عبد الله بن الزبير وحادثة مقتله، وتوفي سنة 111 هـ، وقيل: 120 هـ.

قال الزبير ابن بكار: قدم النظار الأصغر الأسدي، ثم الفقعسي، المدينة، فأعتمد دور القرشيين يسأل في جائحة أصابته، فلم يصنع به أحد شيئاً، حتى أتى طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق في داره دار أبي يسار، فشكا إليه مصيبته وما لقيه به الناس، وفي دار طلحة يومئذ خمس خليات كأنهن القباب، فقال له طلحة: يا أخا بني أسد، وما الذي يكفيك حتى أعطيكه ولا تذم قومي؟ فقال: خلاياك أولاء. قال: فهن لك. قال: فقال النظار:

قَرَعْنَا دُورهُمْ بَاباً فباباً
بها مِنْ سِرّ تَيْمٍ مَضْرَحِىٌّ
لِصِدِّيق النبيّ أبوه، بخْ بخْ
هما اجتمعا عليكَ فجئتَ خِرْقاً
 

 

فخيرُ الدُّورِ دارُ أبي يَسَارِ
يُهينُ كرائِمَ الكُوم العِشارِ
وأمُّكُ بنتُ تَيَّار البحارِ
تُبارِى الرّيحَ من كَرَم النِّجَارِ
 

قال: وجعل النظار ينشدها في المسجد وفي الأسواق. فسمعه رجل من قريش قد أسماه فقال: هيا أعرابي، ما فضيلة دار طلحة على سائر الدور؟ فقال: بفضل ربها أرباب الدور، وإنما فضلهم بفضل أبيه آباءهم، أفإن كان طلحة جواداً تعنف أخا بني أسد يا أخا قريش؟ فقال القرشي: لشيء ما قيل: لا تعرض الجواب.

وذكر البلاذري: أن عروة بن الزبير كان قد استودع طلحة بن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن أبي بكر مالاً، وأودعَ غيره، وشخص إلى الشام، فكان يسأل عن طلحة، فيقال هو يبني الدور ويقسمُ الأموال، فخافَ أن يذهب بماله، فلما قدم كابره قوم على ما أودعهم، وأعطاهُ طلحة ماله موفراً، فقال متمثلاً:

وما استخبأتُ فِي رجلٍ خبيئاً
ذوو الأحساب أكرم من رأينا
 

 

كدين الصدق أو حسب عتيق
وأصبر عِنْد نائبة الحقوق
 

وفي طلحة الدراهم يقول الحزين الديلي:

وإن تك يا طلح أعطيتني
فما كان نفعك لي مرة
أبوك الذي صدق المصطفى
وأمك بيضاء تيمية
 

 

عذافرةً تستخف الضفارا
ولا مرتين ولكن مرارا
وسار مع المصطفى حيث سارا
إذا نسب الناس كانت نضارا
 

وقال أبو بصير البكائي يمدحه:

إنّ فَتَى تَيْمِ بن مُرّةَ لَلّذِي
 

 

لِعائشة الصُّغرى([7]) ولأبن أبي بكر
 

قال الزبير بن بكار: حدثني يحيى بن محمد بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، قال: حدثني إبراهيم بن مليح السُّلمي، وكان يُضمر الخيل لطلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، قال: قدم طلحة بن عبد الله، فبلغه أن يزيد بن هشام بن عبد الملك يحجّ، وأنه مُسبِّقٌ بين الخيل، فأرسَل إليّ أن خُذ (ضبِيراً والأسلع) فأضّمرهما، ووافِ بهما ابن هشام بالهَدة بين عسفان ومر، وأرسل إلى مولى لآل الزبير يقال له: خبيب بن عاصم، أن خذ (المكي) و(الأشل)، فرسين له، فأضمرهما، ثم وافِ بهما ابن هشام مع صاحبك بالهدة، فسبّق بين الخيل، فأرسلنا أفراسنا، فجاءت "الضَّبيرُ" سابقة، فأخذت قصبة فيها ألف درهم، وأخذ "الأسلع"، وكان مصلّيا، قصبة فيها ثمان مئة درهم، وأخذ "المكي"، وكان ثالثاً، قصبة فيها ست مئة درهم، وأخذ "الأشل"، وكان رابعاً، قصبة فيها أربع مئة درهم، فسبقن الخيل كلّها، فخرجت بتلك الأسباق أعارض طلحة بن عبد الله وأبشرُه، حتى لقيته بالمجَمعَة، عين بني طلحة بن عمر بن عبيد الله بن معمر، فلقيته بشرقيّ محل داخلها، فقلت: أبشر، أصلحك الله، سبقت الضبير خيل ابن أمير المؤمنين. فقال: بشرك الله بخير، إنها لابنة "النجراني"، ثم سرت معه قليلاً ثم قلت: أبشر أصلحك الله، صّلى بعدها الأسْلَعُ، قال: لله الحمد، انه ابن "المُطَّلع"، ثم سرت قليلاً ثم قلت: ثَلثهن المكيّ، قال: لله الحمد، انه ابن "السَّكْب"، ثم سرت قليلاً ثم قلت: رَبَّعَهُن الأشلُّ، قال: لله الحمد، انه من ولد "الذائد"، يبشرك الله بخير، ما أرى خليفةٌ بُشِّر بمثل ما بشرتني به من توالي خيلي! ثم أعطاني وصاحبي قصبات الخيل.

 

المصدر: كتاب السلالة البكرية الصديقية - الجزء الثاني ، لأحمد فرغل الدعباسي البكري.


تاريخ النشر
يوم 1 رمضان 1438 هـ / 26 مايو 2017 م


([1])  التاريخ الكبير للبخاري 4/ 345 ، تاريخ الإسلام ت بشار 3/ 251  ، لسان العرب 2/ 533 ، نسب قريش 1/ 278-279 ، جمهرة نسب قريش وأخبارها (1/ 157-160 ، 2/ 608-611) ، أنساب الأشراف للبلاذري 9/ 442 ، التبيين في أنساب القرشيين 1/ 277-278

([2])  عن موسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي، عن أبيه طلحة قال: (سمّاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد طلحة الخير، وغزوة ذات العسيرة طلحة الفياض، ويوم خيبر طلحة الجواد)، انظر: الرياض النضرة في مناقب العشرة 4/ 246 ، سير أعلام النبلاء ط الحديث 3/ 23 ، أسد الغابة ط العلمية 3/ 84 ، الإستيعاب في معرفة الأصحاب 2/ 764 ، تهذيب الكمال في أسماء الرجال 13/ 413 ، ميزان الإعتدال 2/ 197

([3])  انظر: نسب قريش (1/ 300 ، 315) ، جمهرة نسب قريش وأخبارها 1/ 465 ، أنساب الأشراف للبلاذري 10/ 200 ، الإستيعاب في معرفة الأصحاب 3/ 868 ، أسد الغابة ط العلمية 3/ 176 ، تاريخ دمشق لابن عساكر 63/ 324

([4])  انظر: أنساب الأشراف للبلاذري 9/ 367 ، تاريخ دمشق لابن عساكر 38/ 241 ، البداية والنهاية ط إحياء التراث 3/ 317 ، سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي 1/ 242 ، شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام 2/ 115

([5])  هو أحد فرسان مضر المعدودين وشجعانهم، قتله نبيشة بن حبيب السلمي يوم "الكديد"، لقيه مع ظعن من قومه فحماهن، فرماه نبيشة، فقال للظعائن: أوضعن ركابكن حتى تنتهين إلى البيوت، فاني ميت لما بي، وسوف أبقى دونكن لهم على العقبة، واعتمد على رمحي، فلن يقدموا عليكن ما أقمت مكاني؛ فأوضعن ونجون. وكانت القضية على ما قدره، ولم يتجاسر أحد أن يقربه وهو معتمد على رمحه وقد مات. ولا يعلم قتيل حمى ظعائن قبله، وكان يومئذ غلاماً. ولم يقدم عليه القوم إلى أن قال نبيشة: إنه مائل العنق، وما أظنه إلا قد مات، فرمى فرسه فقمصت، فوقع عنها، انظر: نشوة الطرب في تاريخ جاهلية العرب 1/ 375

([6])  انظر: سنن الترمذي ت شاكر 5/ 609

([7])  عائشة الصغرى: عائشة بنت طلحة بن عبيد الله التيمي، أما عائشة الكبرى فهي خالتها: أم المؤمنين السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق.